الإثنين, 02 ديسمبر, 2024

يعاني اليمنُ منذُ فترةٍ طويلةٍ من تدهورٍ اقتصاديٍّ وقلةٍ في تنوعِ أنشطته واعتمادٍ شبهِ كليٍّ على صادراتِ النفطِ وارتفاعٍ في معدلاتِ الفقرِ (البنكُ الدوليُّ، 2022م) .قبلَ عامِ 2010م، جعلتْ هذهِ العواملُ الاقتصادَ اليمنيَّ هشًّا أمامَ الصدماتِ الخارجيةِ. وقدْ أدَّتْ أحداثُ عامِ 2011م وما تلاها من أحداثٍ في عامِ 2015م إلى تفاقمِ الأوضاعِ الأمر الذي زَجَّ باليمنِ في أزمةٍ اقتصاديةٍ حادةٍ (البنكُ الدوليُّ، 2023م) .حيثُ كانَ للصراعِ تأثيرٌ مُدمِّرٌ على سوقِ الصرفِ والصرافينَ في اليمنَ، حيثُ أدَّى انقطاعُ الصادراتِ، إلى جانبِ تزايدِ الوارداتِ بفعلِ الاحتياجاتِ الإنسانيةِ، إلى نقصٍ حادٍّ في توفرِ السيولةِ بالعملاتِ المختلفةِ (ندرةُ الحصولِ على العملاتِ الصعبةِ) (الأونكتادُ، 2022م). وقدْ أسفرَ هذا النقصُ، إلى جانبِ اختلالِ وظائفِ البنكِ المركزيِّ، عن تضخمٍ مُفرطٍ وانخفاضٍ كبيرٍ في قيمةِ الريالِ اليمنيِّ (صندوقُ النقدِ الدوليِّ، 2023م)، وتعطُّلِ قنواتِ سوقِ الصرفِ الرسميةِ، مما أدَّى إلى انتشارِ عملياتِ صرفِ العملاتِ عبرَ شبكاتٍ غيرِ رسميةٍ بأسعارٍ متقلبةٍ للغايةِ.

استجابةً لتفاقمِ الأوضاعِ الإنسانيةِ، كثَّفتِ المنظماتُ الدوليةُ الإغاثيةُ وجودَها في اليمنَ بشكلٍ ملحوظٍ منذُ عامِ 2013م (مكتبُ الأممِ المتحدةِ لتنسيقِ الشؤونِ الإنسانيةِ، 2023م). وقدْ أدَّى هذا التدفقُ للعملاتِ الأجنبيةِ، وخاصةً عبرَ المساعداتِ الإنسانيةِ، إلى تحقيقِ بعضِ الاستقرارِ المؤقتِ في سوقِ الصرفِ الأجنبيِّ. وعلى الرغمِ من ذلكَ، أثارَ الاعتمادُ على تلكَ المساعداتِ الإغاثيةِ مخاوفَ حولَ الاستدامةِ على المدى البعيدِ. وفي ظلِّ إدراكِ حدودِ التدخلاتِ الإنسانيةِ البحتةِ، برزتْ مؤسساتُ التمويلِ الأصغرِ كجهاتٍ فاعلةٍ محتملةٍ في مجالِ التمكينِ الاقتصاديِّ (ماتن، 2016م). حيث تهدفُ هذهِ المؤسساتُ، من خلالِ توفيرِها للوصولِ إلى الخدماتِ الماليةِ لروادِ الأعمالِ اليمنيينَ، إلى تحفيزِ النشاطِ الاقتصاديِّ وخلقِ فرصِ عملٍ وتعزيزِ الشمولِ الماليِّ (ليدجيروود وآخرون، 2013م).

وبينما حَظِيَ تأثيرُ المساعداتِ الإنسانيةِ على سوقِ الصرفِ في اليمنَ ببعضِ الاهتمامِ، تظلُّ هناكَ فجوةٌ بحثيةٌ تتعلقُ بالتأثيراتِ المحددةِ لتدخلاتِ بنوكِ ومؤسساتِ التمويلِ الأصغرِ، وخاصةً تلكَ التي يُقدِّمُها بنكُ الأملِ للتمويلِ الأصغرِ. وعليهِ، تسعى هذهِ الدراسةُ إلى سدِّ هذهِ الفجوةِ من خلالِ استقصاءِ تأثيرِ مشاريعِ بنكِ الأملِ للتمويلِ الأصغرِ الإنسانيةِ والتنمويةِ على استقرارِ سوقِ الصرفِ وتوسيعِ قاعدةِ مقدِّمي خدماتِ الصرافةِ (الصرافينَ) في اليمنَ. كما تسعى إلى فحصِ الآثارِ متعددةِ الأبعادِ التي تُولِّدُها هذهِ المشاريعُ على الأداءِ العامِّ لسوقِ الصرفِ والصرافينَ .يشملُ هذا الاستقصاءُ التأثيراتِ التي أحدثتْها المشاريعُ المُنفَّذةُ على مدى السنواتِ السبعِ الأخيرةِ (2017م - 2023م)، بما في ذلكَ مشاريعُ المساعداتِ الإنسانيةِ النقديةِ الطارئةِ ومشاريعُ التمكينِ الاقتصاديِّ التنمويةِ، على تخفيفِ تقلباتِ أسعارِ الصرفِ، والمساهمةِ في توسيعِ قاعدةِ مقدِّمي خدماتِ الصرافةِ (الصرافينَ)، والمساهمةِ المحتملةِ في تنشيطِ البنيةِ التحتيةِ لسوقِ الصرفِ الرسميةِ في الاقتصادِ اليمنيِّ المتدهورِ بفعلِ الصراعاتِ.

نظراً للطبيعةِ المتعددةِ الأبعادِ لتدخلاتِ بنكِ الأملِ للتمويلِ الأصغرِ، تسعى هذهِ الدراسةُ إلى تسليطِ الضوءِ على التأثيرِ المُحتملِ لهذهِ التدخلاتِ المُتمثِّلةِ بالمشاريعِ الإنسانيةِ والتمكينِ الاقتصاديِّ التنمويةِ على كلٍّ من استقرارِ سوقِ الصرفِ وتوسيعِ قاعدةِ مقدِّمي خدماتِ الصرافةِ (الصرافينَ) في اليمنِ .ولإبرازِ المساهماتِ المتعددةِ لتدخلاتِ بنكِ الأملِ للتمويلِ الأصغرِ المُتمثِّلةِ بالمشاريعِ الإنسانيةِ والتمكينِ الاقتصاديِّ التنمويةِ، والسعي لإيجادِ إجاباتٍ شاملةٍ للأسئلةِ المذكورةِ أعلاهُ، تهدفُ هذهِ الدراسةُ إلى:

  • تحليلِ تأثيرِ مشاريعِ بنكِ الأملِ للتمويلِ الأصغرِ الإنسانيةِ والتنمويةِ على استقرارِ سوقِ الصرفِ.
  • دراسةِ تأثيرِ مشاريعِ بنكِ الأملِ للتمويلِ الأصغرِ الإنسانيةِ والتنمويةِ على توسيعِ قاعدةِ مقدِّمي خدماتِ الصرافةِ (الصرافين).

تَهدِف هَذِه الدِّراسة إِلى اِسْتقْصاء تَأثِير مَشارِيع بَنْك الأمل لِلتَّمْويل الأصْغر الإنْسانيَّة والتَّنْمويَّة على سُوق الصَّرْف والصَّرَّافين فِي اليمن خِلَال الفتْرة مِن 2017 م إِلى 2023 م. وَمِن خِلَال اِسْتخْدام مَنهجِية بَحْث مُختلطَة تَجمَع بَيْن أَدوَات التَّحْليل النَّصِّيِّ والاسْتبْيانات، وَالتِي تمَّ تَحلِيل نتائجهَا النَّوْعيَّة بِشَكل مَوضُوعي وَأمَّا الكمِّيَّة مِنهَا بِاسْتخْدام برْنامج التَّحْليل الإحْصائيِّ (SPSS)، تَوصلَت الدِّراسة إِلى أنَّ مَشارِيع بَنْك الأمل الإنْسانيَّة والتَّنْمويَّة قد أَثرَت إِيجابيًّا على سُوق الصَّرْف مِن خِلَال تَعزِيز مِيزَان المدْفوعات الخارجيَّة وَتحسِين تَوافُر اَلعُملة المحلِّيَّة وَتحسِين اَلقُدرة الشِّرائيَّة لِلْمسْتفيدين، كمَا ساهمتْ فِي تَعزِيز النَّاتج المحَلِّيِّ الإجْماليِّ عَبْر الإسْهام الفعَّال فِي زِيادة الشُّمول الماليِّ وخلْق فُرَص عمل وَتحقِيق التَّمْكين الاقْتصاديِّ. وَعلَى حدٍّ سواء، تَظهَر النَّتائج تأْثيرًا إِيجابيًّا واضحًا على الصَّرَّافين مِن خِلَال زِيادة عدد الصَّرَّافين الَّذين يسْتخْدمون القنوات الرَّسْميَّة لِصَرف العملات أَثنَاء المشاركة فِي صَرْف مَشارِيع المساعدات النَّقْديَّة الإنْسانيَّة، على الرَّغْم مِن التَّحدِّيات اَلتِي تُواجههم أَثنَاء تَوفِير السُّيولة بِالْعملات المخْتلفة. كمَا ساهمتْ مَشارِيع بَنْك الأمل لِلتَّمْويل الأصْغر فِي تَسهِيل المعاملات وَتوسِيع نِطَاق النَّشَاط على مدى السَّنوات السَّبْع الماضية. وقد أَدَّت هَذِه اَلجُهود فِي المساهمة بِالْحدِّ مِن الفقْر وانْعدام المساواة فِي اَلوُصول إِلى الخدْمات الماليَّة وَتعزِيز الاسْتقْرار الاقْتصاديِّ. وَعلَى الرَّغْم مِن ذَلكَ، لَاتزَال هُنَالِك مَخاطِر وتحدِّيات مُحتملَة مُرتبطَة بِاسْتمْرار وَتِيرَة مُشَاركَة بَنْك الأمل لِلتَّمْويل الأصْغر فِي سُوق الصَّرْف والصَّرَّافين؛ وعليْه قد ساهمتْ هَذِه المشاريع فِي اِسْتقْرار سُوق الصَّرْف والصَّرَّافين.